الشركس ما بعد التهجير

" تهجير الشركس "


محمد باست



استفاد أ.ب. بيرج من الأرشيف الروسي فوجد أن عدد الشراكسة الذين أجلوا عن بلادهم عن طريق البحر ما بين 1858­1866م وهو أربعمائة وثلاثة وتسعون ألف مهّجر. ولكن لا يذكر شيئاً عن المهّجرين عن طريق البر....
ولكن البروفسور كمال كربات الذي إطلع على هذه المراجع وكذلك على أرشيف الدولة العثمانية وجد أن عدد المهّجرين ما بين 1859­1879م كان يزيد عن مليون وأربعمائة ألف مهّجر ويذكر البرفسور أن عدد الذين وصلوا إلى أراضي الدولة العثمانية كان مليوناً ومائة ألف ....
ولكن أوبيسني إيروليتيمو ذكر بأن عدد المهّجرين الشراكسة عام 1864م هو سبعمائة ألف وفي عام 1866م وصل إلى مليون نسمة .... ومن المعروف أن التهجير استمر نصف قرن بعد ذلك.
ومن أرشيف رئاسة الوزراء العثمانية بلغ عدد المهّجرين الشراكسة إلى بلغاريا .فقط. من دول البلقان حتى عام 1864م .20. ألف عائلة شركسية وأنهم سوف يرسلون عشرة الاف عائلة أخرى. حسب هذه الأرقام فإن عدد المهّجرين الشراكسة ما بين عامي 1864­1877م مع إضافة الذين لم يهاجروا بطرق رسمية يمكن تقديرة بحوالي ربع مليون مهجر سكنوا تلك المنطقة، وقد ذكر الكاتب البلغاري س. كوبشفيش إستناداً إلى الأرشيف البلغاري أن عدد الشراكسة الذين استوطنوا ساحل البحر الأسود الغربي من .بلغاريا، رومانيا. بلغ175.000مهجر....
وهناك أرقام أخرى تشير إلى أن عدد الشراكسة في كل منطقة البلقان بلغ .60. ألف نسمة وقد أسكنوا في بادئ الأمر في مدن. .نيش، كوسوفا، برشتينا، فيدين، صوفيا، لوفي، ني بولو، زيشتوفي..
وكانت الدولة العثمانية تهدف من تهجير الشركس إلى ما يلي .
­إن أغلب هذه المدن تقع في منطقة الحدود بين روسيا والدولة العثمانية وبذلك فان الشراكسة الذين لهم خبرة كبيرة في محاربة الروس في القفقاس الشمالي هم الذين سيحاربون الروس هناك أيضاً.
­ مع بداية القرن التاسع عشر بدأت حركات التحرر بشكل مستمر في كل من اليونان وبلغاريا ويوغسلافيا وغيرهما فأرادت أن تقضي على هذه الحركات بواسطة الشراكسة ... وهي الفترة الحرجة ما بين عامي 1860­1877م حيث تم إحضارالشراكسة وإسكانهم على شريط يفصل بين القرى التركية والبلغارية، فالوطنيون البلغار الذين يريدون القتال والتحرر من العثمانيين وجدوا أمامهم الشراكسة الذين لم يكونوا على علم بألاعيب العثمانيين السياسية القذرة فاضطروا إلى محاربة البلغار دفاعاً عن أنفسهم، وتم تحميل الشراكسة والبلغار خسائر جبهة القتال من الأرواح والطاقات، والعدو الحقيقي الأتراك يتفرجون .6. وباختصار شديد فإن الاتفاقية .المعاهدة. التي وقعت بعد الحرب بين روسيا والدولة العثمانية في . آذار عام 1878م كان أهم شرط هو إصرار روسيا على إعادة تهجير جميع الشراكسة الذين يقطنون بالقرب من الحدود الروسية إلى داخل إراضي الدولة العثمانية .البلقان في ذلك الوقت كانت حدوداً لروسيا أيضاً لتحالفها مع دولها المسيحية. وهناك وثيقة في أرشيف رئاسة الوزراء التركية بضرورة أن يتم في عام 1879م ­ 1296 هجري ترحيل .150. ألف شركسي من البلقان على النحو التالي .نذكر منها العائلات التي رحلت إلى المنطقة العربية..
إلى حلب 10.000عائلة شركسية
إلى دمشق 5.000عائلة شركسية
إلى قبرص 2.000عائلة شركسية
إلى الاسكندرية 1.000عائلة شركسية
إلى الجزائر 100 عائلة شركسية
في عملية التهجير الثانية إستعملت الدولة العثمانية أساليب القهر ومنعت الشراكسة من الذهاب إلى الأماكن التي كانوا يرغبون الرحيل إليها.
وهكذا تحركت البواخر من البلقان تحمل المهجرين الشراكسة من جديد وهناك مراسلات بين لجنة إسكان المهجرين وبين وزارتي الداخلية بالأرقام 5/96 تاريخ 17أيار1879م و13/96 تاريخ 25أيار 1879م و17/96 تاريخ 29أيار 1879م و6/6 تاريخ 1879/1/18م تحتوي على أوامر بمنع الشراكسة من الرحيل إلى الأماكن التي يريدونها وحتى لا يتمكن الشراكسة من الهرب بواسطة البواخر الأجنبية، قامت هذه الدوائر بإرسال كتب إلى شركات النقل الأجنبية يطلبون فيها عدم حمل أي شركسي على متن بواخرهم أو نقلياتهم .7. ويعتبر تهجّير الشراكسة من بلادهم الأزلية شمال القفقاس .إثر حروب طويلة دامت قروناً عديدة مع قياصرة روسيا. من أكبر عمليات التهجير السكاني القسري في التاريخ الانساني الطويل، حيث تم إقتلاع ما يقارب المليوني شركسي .نجوا من الإبادة المستمرة. من جذورهم الأزلية، أزل التاريخ في شمال القفقاس منبت العرق الأبيض، وقد أجبر ما يعادل تسعة أعشار أمة عريقة بكل ما للكلمة من معنى على ترك بلدهم الأصلية إلى بلاد بعيدة وأصبحوا في الشتات، وقد تم تهجيرهم جماعياً في ظروف غاية في السوء عبر مرافئ البحرالأسود غير المهيأة للتعامل مع ذلك الكم الهائل الذي جمع على السواحل دون مأوى أو تموين أو دواء وبوسائل نقل بحرية قديمة غير صالحة جمعت من بلدان مختلفة وكان عدد منها قد غرق وسط البحر الأسود لرداءتها والإفراط في زيادة حمولتها، ولم يكن تهجيرهم براً أفضل من البحر، ويُقدرعدد الذين هلكوا من الشراكسة أثناء وبعد التهجير أكثر من نصف مليون شخص من جراء الغرق والمرض والأوبئة التي انتشرت على تلك السواحل وعلى متن السفن أيضاً .
ولقد وصل الشراكسة إلى يأس شديد لدرجة أنهم كانوا يرفضون البقاء أحياء في هذا الوضع المزري الذي أجبروا عليه بعد التدمير الكامل لبلادهم واحتلالها من قبل الجيش الروسي القيصري الذي إرتكب أكبر المجازرالجماعية البشعة وأزال مئات القرى من الوجود وأراد الأرض الشركسية بدون سكان تماماً كما فعل الصهاينة في فلسطين الحبيبة فيما بعد .
ولقد خذلت الدولة العثمانية الشراكسة في جهادهم الطويل ضد الغزاة الروس ولم تفِ بوعودها الكثيرة لهم بمد يد العون لهم إلى أن أنهارت مقاومتهم واحتلت الجيوش القيصرية بلادهم بالتدريج حتى إعلان القيصر الروسي إنتهاء الحروب الروسية الشركسية في 1864/5/21م.
وأرغم الشراكسة على هجر أوطانهم منذ تلك الأيام على شكل موجات متعاقبة دامت أكثر من أربعين عاماً، قاسوا خلالها مصاعب التهجير والترحال والتشتت في البراري والقفار، التشتت الذي وصل لدرجة أن أفراد العائلة الواحدة ضاعوا عن بعضهم البعض، فكم من أب فقد ابنه وكم من أخ فارق أخاه أو اخته وكم .. وكم..وكم... الكثير من الفواجع والمآسي ما يطول شرحة يدمي الفؤاد لذكره.



المراجع
1+3 مجلة صوت النارتيين، أنقرة 1980 العدد .16.
2 مجلة صوت النارتيين، أنقرة عدد شباط 1980
4 من كتاب للمؤلف س. كوبشفيش ­ لايبزيغ 1886 ص16
5 الهجرات من البلقان المجلد الثاني 1970ص .210­213.. ص .351­352.
6 من رسالة الدكتوراه لبتراي أوزبك في هايدلبرغ عام1980م .
7 من مجلة قفقاسيا الثقافية ­ أنقرة . العدد : 1965م